تقريظ كتاب «الغدير» للامينيّالحمد لله العليّ القدير والصلاة والسلام على محمّد نبيّه البشير النذير وعلى وصىّ نبيّه وخليفته، عليّ، صاحب بيعة الغدير وعلى آلهما وذرّيّتهما الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم إلى يوم الدين. وبعد، فغير خفيّ على المتتبّعين أنّ الماضين من علماء الشيعة وأساطين الدين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ قد بذلوا قصارى جهدهم في بناء الصرح الإسلاميّ المقدّس وتحمّلوا المشاقّ لإظهار الحقائق الناصعة المموّهة التي عبثت بها الأيادي المجرمة فسوّدت صحائف التاريخ، ولا غرو فإنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة التي أخذت علومها وآدابها عن الأئمّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فقد نبغ فيها مآت الألوف من علماء مؤلّفين وشعراء مجيدين وكتّاب متفنّنين لهم اليد الطولى في جميع الفنون. ولايظنّ أنّ فرقة من الفرق الإسلاميّة أو غيرها تجاريهم؛ وتشهد بذلك كتبهم العديدة ومؤلّفاتهم النافعة المفيدة، المقيّدة أسماء بعضها في الذريعة. جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. وقد نبغ في قرننا هذا (الرابع عشر) كما نبغ في سائر القرون السالفة علماء عاملين مصلحين مجاهدين1كذا في المتن و الظاهر أنّ الصواب: «علماء عاملون مصلحون مجاهدون». لاتأخذهم في الله لومة لائم، يسعون وراء الحقّ ـ وإن بعد ـ ويصطادونه ـ وإن هرب ـ قاصدين بذلك إلفات ذوي الفكر الحرّة إلى الصواب وإرائتهم الطريق الواضح الخليّ من الشکّ والارتياب. ومن أولئك العلماء الأفذاذ الذين كرّسوا حياتهم الثمينة لخدمة العلم والدين والحقيقة، الأستاذ الكبير البحّاثة الشهير المتتبّع القدير، مولانا الحاجّ الشيخ عبدالحسين الأمينيّ، نزيل النجف الأشرف، مؤلّف كتاب «الغدير» وغيره من التأليفات القيّمة والآثار الجليلة النافعة. فاق الأمينيّ كثيراً من العلماء الذين كتبوا في هذا الموضوع الخطير (المذكور بعضهم في المجلّد الأوّل من الغدير، ص 140). لأنّ ما كتبوه غير واف بالغرض ولا شاف للغليل وإن أتى البعض بما هو الأمنيّة المتوخّاة؛ لكنّه بصورة لا تلائم العصر الحاضر. أمّا الأمينيّ فقد أمدّه الله بروح عنايته، فأخذ الموضوع من جميع نواحيه وأحاط به من جميع جهاته وصبّ تلك المعاني الغالية بقوالب ألّفها الخاصّة والعامّة والقريب والبعيد حتّى صار مفخرة الجميع. فجدير بالإعجاب والإكبار ما أسداه العلّامة الأمينيّ في هذا الكتاب من خدمات للاسلام. عرفت مؤلّف الغدير قبل أن أكتب له «مسند الأمين»2اجازهاى است كه مرحوم آقا بزرگ براى علّامه امينى، نگاشته است: إجازة مبسوطة كتبتها حدود1350للعلّامة الأمينيّ التبريزيّ قبل تأليفه «شهداء الفضيلة». (الذريعه 21 / 26) نيز بنگريد به: الذريعه 14 / .259 في ما قبل، قبل نيّف وعشرين سنة وقبل نشر مؤلَّفه «شهداء الفضيلة» الذي باكورة أعماله الجليلة؛ ولعمري لقد كان نتاجاً حيّاً دلّ على ذهنه الوقّاد وفكره الثاقب وهمّته القعساء. عرفته باحثاً متتبّعاً متضلّعاً مجاهداً طموحاً إلى التأليف والبحث والتنقيب في المواضيع المفيدة اللّازمة في بناء الإسلام. عرفته رجلاً لميقصر ذهنه على العلمين المهمّين (الفقه والأصول) وإن كانا أساس كلّ شيء ومنبعه العذب. عرفت ذلك ولم أك مترقّباً أو ظانّاً أنّ هذا الرجل الجليل يطرق قبل هذا الموضوع العظيم ويبزّ أقرانه ويفوق كلّ من كتب فيه. فها أنا أهنّيه وأرجو له النجاح الباهر في جميع أعماله. نشر الجزء الأوّل من كتاب الغدير في الأسواق في سنة 1364 وسرت أثره سائر الأجزاء بتلک الحلّة الجميلة؛ فقرّظه الملوك والأمراء والعلماء والأدباء والفلاسفة والشعراء. فوددت أن أكون ممّن يقوم ببعض هذا الواجب إزاء هذا المؤلِّف المجاهد والمؤلَّف المفيد؛ لكنيّ خفت على نفسي من الغرق في تيّار أمواج هذا البحر المتلاطم الذي سمّي تواضعاً من موّلفه بالغدير. فصرت أقدّم رجلاً وأؤخّر أخرى ولمتزل الأجزاء تنجّز ويتفضّل بها على مؤلّفها دامت بركاته فتقوى عندي الفكرتان. وأخيراً وجّه إليّ عتاب أحد السادة المحترمين؛ فلم أزد في جوابه على قولي: «إنيّ قاصر عن تقريظ مثل هذا السفر الثمين والثناء عليه؛ بل هو أجلّ وأعظم من أن يقرّظ ويثنى عليه وما لي إلّا الدعاء لمؤلّفه بطول العمر وحسن الختام. فأسأل الله تعالى بخلوص الدعوة أن يضيف ما بقي من عمري على عمره الشريف حتّى يستوفي تمام المراد.» وفّقنا الله جميعاً لتأييد الحقّ والأخذ به. حرّره المسيء، المسمّى بمحسن والمدعوّ بآقا بزرگ الطهرانيّ، نزيل النجف الأشرف، في ثاني شهر الصيام 1371هـ.